الاثنين، 7 يوليو 2008

الزاوية البعيدة (5)


رغم أنني تعبت من الصراخ إلا أن صوتي لم يتعب هذا ما تعلمته في الإيام الأخيرة من وجودي في تلك المفازة التي لم أعد أدري إلى أين تتجة، ألتفتُ إلى الوراء هناك على حافة حلم ما قابلته (*) كان رائعا حد الجنون وكنا نتحاور بما يشبه معركة طاحنة، نحلق في الفضاء وكل منا يجلس على قمة ما، كنا نشبه شيطانين بابتسامة ماكرة وعيون تلمع وسيوف مشرعة، لم يكن يشبه ابدا ما اردته له ولم اكن استطيع أن ارى في (عايدة) أكثر من كائن تلاشى فجأة وحل محله كائن أثيري آخر، كائن حقيقي ولكنه لا يشبه ذلك الكائن الذي يمشي في الشوارع أو على حواف الليل وحيدا بل يشبه تماما رحلة سماوية مستقبلية، ما بين الحقيقة والحقيقة تكمن قدرة الاصابع على ابتكار المعجزات، لا يهم كيف انتهت المعركة ولا من انتصر ولا اين طويت ذلك الشيطان الذي بارزني مبارزة عادلة وصادقة بل وبها متعة المغامرة، مغامرة بالحياة نفسها كأن توجه الى صدغك مسدس في لعبة روسية تليدة، لكن النهاية لم تكن كالبداية، أي أنه غاب وغبت، نستطيع أن نعود متى كانت المعركة مشرعة لكن إلى ذلك الحين نعلم أننا لا نملك أن نلتقي، أو أن نقول لأنفسنا سنوجد هذا اليوم، أذكر أنني أيضا لم أعطه اسم وكأنني بهذا أحاول وأده ونفي وجودة أو ربما العكس أي أنني تركته بلا اسم رغبة مني في تواجده الفائض عن حدود الاسم، تماما كما يلتحم أفقي بمدى الكون الواسع دون أن يضمحل ليختفي خلف ملامحي البسيطة.

يا (أنت) هكذا ناديته وهكذا كان يحلو لأحد الأصدقاء أن يناديني(*)، ما بين الفتحة والكسرة تختفي عاصفة وتضيع متاهة كاملة، لم التق به إلا ثلاث مرات في المرة الأخيرة وعدته أن لا استدعيه ابدا، اظن أنني وعدته لمجرد أن امارس احترامي لوعدي وليس لاي سبب آخر... كأن يكون استدعائه نوع من استدعاء الذات والمصارحة ربما، رغم أن هذا ليس منطقيا حيث أن الذات حاضرة دائما ومنفصلة في آن.

كثيرا ما افكر بالاشخاص والاشياء والاحداث وكأنها لعبة عميقة، يظن الاخرين أنهم يمشون قربي ولكنهم أبدا لم يفكروا أنني أنا من يمشي قرب الحياة بأكملها، الحياة التي يمارسها الاخرون كل على طريقته الخاصة، الطريقة التي احترمها لكني ابدا لا اختارها لنفسي، كنت اقول اذا كان هناك من يستحق العبودية من البشر فلماذا أعبد (غيري) هل هذا ما وقاني مثلا ان اعبد ما يعبده الكثيرون سواء بعلم او بغير علم ... لا شأن للعبادة فيما اقول، ما اريد قوله هو أنني افتقد ذلك الكائن الرائع، افتقد حيوية المعركة والضحكة وحتى الجنون، افتقد المبارزة العادلة والقوية وكأنها نوع من مكاسرة الايدي، بساعدين متساويي القوة، لكني لن استدعيه دون اذنه ولن استدعي نفسي دون اذني انا ايضا، حتى يحين ذلك اللقاء سابقى في الزاوية البعيدة هنا اراقب الحياة واسير قربها.

ليست هناك تعليقات: