الجمعة، 15 يناير 2010

الزاوية البعيدة (17)


صوت العصافير الذي يتسرب إلى روحي كأنه انحدار شلال، يفترش قلبي.. يروي عطشه ويخرج من جنباته أشجارا تستقبل الطيور الصغيرة لترقص بين أغصانها، تتسرب أشعة شمس صباحية من بين الاغصان فتربت على نبضي، تحيك من أفق صمتي لغة للابتسام، ترخي ما تغضن من ملامحي كأنها تعيد رسم وجهي من جديد، فأتحول إلى دائرة من نور وماء !

يستيقظ جسدي بخفة لم اشعر بها من قبل، رائحة الزهور تملأ المكان، خرير الماء، الغيوم البيضاء وصهيل في البعيد يناديني،
يربكني الفرح مثلما تربكني تلك المسافة ما بين الملامح التي تطالعني كل يوم في المرآة و الحلم القابع في قلبي زهورا تأبى الذبول.

يربكني أن أمد يدي فتعود خاوية إلا من قلوب لا ذنب لها إلا الدروب التي تلتقي وتفترق تبعا لزمن لا يعبأ بنا.... (لزمن لا يرانا)* يحملنا على أكفه ويمضي فنمضي خلفه مشدوهين نحلم فتذبل أحلامنا ونرمي بها بهدوء وخجل في غفلة من أوجاعنا ونمضي....

في المحطات البعيدة هناك ريح غضبى ورمال لا تستقر في مكانها، هناك أيضا برد مختبئ في ثنايا الصخور الجدباء وتلك التي شققها الجفاف، وفيها أيضا وجوه دافئة كنجمة بعيدة لا تستطيع أن تلمس أحزاننا لكنها تمدنا بنور عابر يحرك الوحشة ويبعث بعض الهدوء... وجوه سأسميها يوما فيخترق الضوء عتبات أحلامي....

المعنى الذاهب في الحروف لا يركن إليها و لا يعطيها من الحلم إلا ما يشاء يجعلني أصمت طويلا... أحدق في البعيد.... الكلمة حدود اجروء على نسفها حين أريد فتنفتح أبوابا لا اسماء لها ولا أفعال مريبة ....الأبواب تعيد إليّ ما اختلسه الحلم بغفلة مني.... تضمني كلحن مختلف ... فيتلاشى الجسد ويبقى نغم يدل عليه .... مر من هنا اسم....مرت من هنا فتاة لا نعرفها فاللغة جرحها الحنين... والكلمة متكئة على حلم غابر...مرت من هنا فتاة أخذت كل ظلالها وذكرياتها من ذاكرة المكان والزمان ورحلت .....

وأسأل نفسي كيف تهمس الأشجار باسمي كلما مررت بها.... كيف عرفتني ؟؟؟ فيرفع النور بعضا من اسراره ويحلق في افق ذاتي...أنا لا اعرف اسما لي سوى اسمي الذي يشبه حقلا اخفى اشجاره جيدا وترك لها بعضا من ظلال ومعبرا لمرور اشعة شمس فضولية ... أفقد اسمي أحيانا وأضيع فتردني أثار تدل عليه.....

في وحدتي الجميلة أخفي أسرار هذا الاسم واشرعها كيفما اشاء، أعيد ترتيبه أضع له من الافاق ما لا يستطيعه أي اسم اخر من تلك الاسماء التي تتدكس فيهشها الزمان ويمضي .....فيها أيضا أكتشف بعضا مني ...فأخط الكثير من الكلمات وأصعد في معراجي لسماء ستحملني على أكفها لتمضي بي نحو أفق جديد ....

هكذا أتكرر بندرة عجيبة تشبهني تماما ... بلا ضجيج بلا غموض مفتعل أو وضوح آثم.... كالماء والنور يلتحمان وينعكسان بهدوء مقدس ويمضيان بلا أثر.....



ليست هناك تعليقات: