الجمعة، 13 أبريل 2018

تلك المسافة الصغيرة التي تفصل الروح عن الجسد، القلب عن العقل، اليد عن الفعل... المسافة التي بدأت تختفي لتصبح مبهمة، وغاية في الغرابة، عندما نراقب اصابعنا تتحرك على مساحة الكتابة البيضاء دون ان ندرك الكلمة القادمة، دون ان نستوعب ما سوف تشكله السطور في روع القارئ، تشبه تماما الغياب، عندما ننفض عن انفسنا الاحلام التي عشنا اعمارنا كلها نسعى اليها، لا يعود هناك شيء واضح سوى المسافة التي ندركها بعد فوات الاوان، البعض لا يدركها الا في لحظاته الاخيرة ، وكانها تسخر من جهله عبر سنواته الطويلة او حتى القصيرة في هذه الحياة، عندما يتحول الجسد الى ثوب فقد اهميته فجأة،  ويتحول الاسم لمجرد ذكرى، عندما تسعى الحياة بشكل حثيث لتحول المسافة ما بين الفراق والقادم لشيء يشبه الهرب نحو يوم لا نعرفه كنهة، هل فكرنا يوما ان المسافة تشبه الثوان القليلة التي تفصل يدي لاعبي سرك قررا في لحظة ما الدوران في الهواء ثم يمسك احدهما الاخر قبل السقوط  تماما في اللحظة التي يشهق فيها الجمهور جزعا، لعل المسافة كانت اكبر من ان تجمعهما، او اقصر من استيعابها، لعل احدهما يخذل الاخر فيتحول المشهد الجميل الى كارثة، تلك اللحظة التي كنا نراها صغارا تشبه الدهشة، اللحظة التي بدأت تفقد بريقها عبر الزمن .... ترى كم من المرات تمنينا ان نعرف احساس القافز في الفراغ قبل النجاة او السقوط ؟؟؟
عندما اراقب تلك الصور المبعثرة في كل مكان، في الطرقات، الاماكن العامة ، الحدائق، الموصلات... او حتى في مرايانا ....ارى المسافة تطل برأسها الماكر لتحول الناس والاشياء الى صور اخرى، وكأن الكون يمشي بالتوازي مع مراياه، لكن المرايا تحتفظ بالمسافة الماكرة ذاتها، هل جرب احدنا ان يرفع يده ويضعها على صورته في المرآة ليتفقد المسافة التي تفصل جسده عن البُعد في الصورة المقابلة ؟ كم من المرات جربت القفز خارج اسوار هذا الجسد الذي لم اختر نوعه، او شكله، لونه او حتى تفاصيله الصغيرة مثل الشامة التي التصقت على كاحل القدم اليسرى لا معنى لها ولا سبب واضح ...
ترى كيف يتم اختراق المسافة لنكتمل كما لو كنا نشبه صورنا ؟ نعيد انتاج ذوتنا الحقيقية لا تلك التي تتشكل بفعل الاخر؟؟؟ مالذي يجعلنا نسعى بشكل حثيث للحصول على مال اكثر، شهرة اكبر، جائزة ما لا تجعلنا اناس افضل ولكنها تضيف لطمانينتنا تجاه الحياة التي تقرر في لحظة ما ان تسحب البساط من تحت اقدامنا ...فتتحول الاشياء التي تركناها خلفنا الى عبئ على الاخرين الا اذا كانت تفيدهم بشيء ما.... نسعى بكامل طاقتنا لنملك شيء ننقله بكل بساطة الى اخرين !!
عندما ندرك المسافة نكون قد ادركنا خط النهاية،  فلا يعود لهذا الادراك قيمة كبيرة لاننا لا نستطيع ان نستعيد اللحظات ثانية لنعيد حساباتنا من جديد... المسافة التي لا يهزمها شيء سوى الوعي الحقيقية بقيمة الاشياء التي نريدها لا تلك التي يوجهنا اليها الاخرين دون ان ندرك ....

ليست هناك تعليقات: